علم البيانات كمحفز لتحويل التدقيق

كولومبو غاردي جولييتا وكوغلر ماريا باولا مكتب المدقق العام في الأرجنتين

المقدمة

“في عالم مغمور بالمعلومات غير المناسبة، فإنَّ الوضوح قوة”.

يوفال نوا هراري، 2018

في سياق مجتمع المعلومات، أدّى التحوّل الرقمي إلى نمو هائل في إنتاج البيانات وتخزينها، مما أوجد ما يُعرف بعلم البيانات، لتلبية الحاجة إلى أدوات جديدة قادرة على معالجة كميات كبيرة من البيانات بذكاء وتحويلها إلى معلومات قابلة للتنفيذ لاتخاذ القرارات في بيئات متعددة.

ويشير هذا السيناريو إلى أن القول المأثور القديم لهوبز (1651)، “المعلومات قوة” سيُستبدل قريباً بـ”الوضوح قوة” الأحدث (نوا هراري ، 2018) لنقل الآثار المترتبة على نموذج جديد يتضمن إدارة البيانات والمعلومات والمعرفة بشكل أكثر دقة.

وهذه فرصة فريدة للأجهزة العليا للرقابة المالية لاستغلال الإمكانات التي توفرها التقنيات الجديدة والكم الكبير من البيانات التي يتم توليدها داخل الوكالات العامة، ودمجها في عمليات التدقيق الخاصة بها لضمان إدارة أفضل للأموال العامة. ويعمل علم البيانات كمحفز للتحول في مجال التدقيق، مما يعزز استقلالية الأجهزة العليا للرقابة المالية مع زيادة ثقة الجمهور والمساءلة.

ويمكن لمنهجيات علم البيانات أن تحسِّن عمليات التدقيق إلى الحد الأمثل، مما يؤدي إلى تقديم تقارير تدقيق ذات قيمة ودقة ونطاق أكبر، وتوصيات ذات صلة في الوقت المناسب. وتعزّز التقارير العالية الجودة إدارة عامة أكثر فعالية وكفاءة، نظراً إلى تأثيرها الكبير على تحسين نوعية حياة المواطنين. ويتطلب دمج علم البيانات في عمليات التدقيق خارطة طريق يمكن أن توجه الأجهزة في استخدام هذه الأدوات الجديدة.

علم البيانات في عملية التدقيق

يمكن دمج علم البيانات والأدوات والتقنيات في أي حالة من حالات عملية التدقيق. ويستند التحليل الوارد أدناه إلى المبادئ التوجيهية للإنتوساي للتدقيق في الأداء ونموذج عملية تحليل البيانات واستخراجها. وتغذي كلتا العمليتين بعضهما البعض باستمرار بطريقة متكررة. ويمكن مقارنة مراحلها ودمجها مع إدخال علم البيانات في نشاط التدقيق:

الشكل 1

المصدر: خاص/ يستند إلى المبدأ التوجيهي رقم3920 (الإنتوساي، 2019)، هان، كامبر و باي (2011) 

يتضمن نموذج عملية تحليل البيانات واستخراجها الأبعاد الأساسية الثلاثة لعلم البيانات: 1) إدارة قاعدة البيانات؛ 2) إنشاء نماذج التعلم الآلي من خلال الخوارزميات التي تمكِّن الحواسيب من تعلم مهمة، مثل التعرف تلقائياً على الأنماط المعقدة وتحسين أدائها مع مرور الوقت من خلال استخدام البيانات، و3) تحليلات البيانات لاستكشاف البيانات وتنظيفها وتحويلها لاستخراج معلومات مفيدة وتقديمها لاتخاذ قرارات ذكية.

الشكل 2

  • إدارة قاعدة البيانات

في مرحلة التخطيط، يُعدُّ اختيار الموضوع وتصميم التدقيق أمراً حيوياً، لأنَّهما يحدِّدان ماهية موضوع التدقيق.

وبهذا المعنى، يعتبر علم البيانات أداة رئيسية تضمن اختيار الموضوعات التي يجب تضمينها في تخطيط التقرير بشكل استراتيجي وفعّال. كما أنه يتيح إجراء تقييم أولي شامل لعالم موضوعات التدقيق المحتملة من خلال النماذج الإحصائية المطبقة على كميات كبيرة من البيانات. ويتيح ذلك للأجهزة العليا للرقابة المالية تحديد النقاط والمخاطر الحرجة للتدقيق بشكل أكثر دقة، واختيار العناصر الأكثر ملاءمة وقابلية للتدقيق بما يتماشى مع مهمة الأجهزة.

ويبدأ تصميم خطة التدقيق بالبحث الدقيق عن المعلومات ذات الصلة، مما يجعل الوصول إلى البيانات أمراً حيوياً. واليوم، يمكن الوصول إلى البيانات المفتوحة في العديد من المنصات العامة والخاصة (الكشط / الزحف، وواجهات برمجة التطبيقات، والمحول التوليدي المُدرَّب مُسبقاً). وتسهل هذه الأدوات وتسرع الوصول إلى المعلومات اللازمة لعمليات التدقيق.

ويبدأ التخطيط بتقييم أولي لهيكل قاعدة البيانات وتكوينها، ويوضح هذا التقييم كيفية تنقيحها وتحويلها لتكييفها مع أهداف مشروع التدقيق. ويستلزم ذلك تقدير عدد السجلات، وأنواع المتغيرات، والمقاييس الموجزة ووجود القيم المتطرفة، والضوضاء (أحرف الخطأ) والبيانات المكررة، فضلاً عن أي بيانات مفقودة. ويتيح تقديم هذا التقييم الاستكشافي بصرياً تفسيراً أفضل للبيانات الخام. وتعتبر أدوات التصور مورداً ممتازاً لإنشاء الملخصات والرسومات والتقارير بسرعة ومع مجموعة واسعة من التصاميم.

وتؤثر جودة البيانات في نتائج النماذج وتحليلها والاستنتاجات المستخلصة. ورغم التقدم الذي حققته المنظمات في رقمنة البيانات وتوحيدها وهيكلتها، تحصل الوكالات عادةً على قواعد بيانات ينبغي تنقيحها لاستخدامها. لذلك يتم خلال هذه المرحلة تنقيح البيانات الخام وصقلها من خلال تقنيات مختلفة، من أجل الحصول على مجموعة بيانات كافية لأداء الوظيفة على أساس أهداف التدقيق. ويعتبر هيكل البيانات وميزاتها جوانب حيوية عندما يتعلق الأمر بتحديد النماذج الإحصائية ذات الصلة.

وفي ما يتعلق بأخذ العينات، يتمُّ كقاعدة عامة النظر في عالم البيانات بأكمله، نظراً إلى الإمكانات الكبيرة لأدوات علم البيانات. ويتم الحصول على عينة واحدة أو أكثر لإنشاء الخوارزميات والتدريب عليها. وبهذه الطريقة، يجري استخدام مجموعة بيانات واحدة لإنشاء الخوارزمية والتدريب عليها، وتُستخدم مجموعة بيانات أخرى لتقييم القدرة التنبؤية للنموذج.

وليس لخيارات البرمجيات المتاحة لكل عملية في علم البيانات نهاية من الناحية الافتراضية. ويُوصى باستخدام الأدوات التي تمكِّن التفاعل مع التفكير الحاسوبي والتي لا تحدُّ المستخدم. أما البرامج الأكثر شمولاً واستخداماً على نطاق واسع لمعالجة البيانات وتحليلها فهي Python وR، وكلاهما مفتوح المصدر ومجاني ولغتهما عالية المستوى. كما يوفران مجموعات أدوات تُعرف باسم المكتبات والوظائف المستخدمة في كل مرحلة من مراحل علم البيانات، من التصور البسيط إلى بناء خوارزميات أكثر تعقيداً. وتتمثل واحدة من المزايا الرئيسية التي تتيحها خيارات البرامج العالية المستوى هذه في أنَّه يمكن للأشخاص إنشاء وظيفة خاصة بهم مع جميع عناصر العمل والقواعد لتطبيقها على قاعدة بيانات ومن ثم استخدام هذه الوظيفة نفسها مع مجموعات بيانات أخرى دون الحاجة إلى تكرار العمليات يدوياً أو إعادة كتابة أي رموز.

الشكل 3

  • إنشاء نماذج التعلم الآلي

خلال مرحلة التنفيذ والنمذجة، يتم إنشاء النماذج وتقييمها للعثور على أدلة تدعم النتائج المستقبلية. وتعتمد النماذج المختارة على هدف التدقيق وحجم البيانات المتاحة ونوع المسألة التي سيتم التطرق إليها. ويمكن تصنيف هذه إلى نوعين متميزين، استناداً إلى مدى اعتماد المتغيرات على بعضها البعض وخصوصيات المسألة التي جرى تناولها: نماذج التعلم الخاضعة للإشراف، والمستخدمة للتنبؤ بالحالات الجديدة (الانحدار) أو نماذج التعلم غير الخاضعة للإشراف (المستخدمة لفرز الحالات وتجميعها). ويتضمن الرسم البياني التالي أمثلة لنقاط التعلم هذه من حيث صلتها بنوع المهمة المراد تنفيذها:

الشكل 4

المصدر: خاص بنا، يستند إلى هان، كامبر و باي (2011)

يجب تقييم كل نموذج على أساس بيانات التحقق لتحديد قدرته على التنبؤ أو التصنيف. وتحقيقاً لهذه الغاية، هناك تقنيات مختلفة لقياس التباين والتحيز والأخطاء وتكلفة الكشف عن تلك الأخطاء. ويتم بعد ذلك تطبيق النموذج على البيانات المتبقية من أجل العثور على أدلة ذات صلة ودقيقة يمكن أن تدعم التوصيات.

الشكل 5

  •  تحليل البيانات

في مرحلة إعداد التقارير، تؤدي أدوات التصور دوراً بالغ الأهمية. ويمثل تنوع وعدد خيارات التصور التي يقدمها علم البيانات تحسناً مهماً لأنها تنقل المعلومات بوضوح من خلال الرسوم البيانية ومقاطع الفيديو العالية الجودة مع إمكان اختيار المعلمات الجمالية المختلفة وإنشاء التقارير بسهولة. علاوةً على ذلك، ثمة العديد من الأدوات البديهية (Power BI وTableau) التي تسمح بإنشاء لوحات معلومات لإطلاع عملية صنع القرار (المعروفة باسم ذكاء الأعمال).

الشكل 6

تسمح تقنيات علم البيانات بأتمتة عمليات التدقيق. ومن خلال الإبقاء على المعايير دون تغيير وإضافة البيانات أو استبدالها (المدخلات)، في إمكان النموذج تمكين الكشف عن الاستمرارية و/أو الاضطرابات (الحالات الشاذة) في المعلومات التي جرى تحليلها.

الشكل 7

المصدر: خاص بنا

الشكل 8

المصدر: خاص بنا

بنود العمل الاستراتيجي

الشكل 9

المصدر: خاص بنا

الخلاصة

للنشر الاستراتيجي والتدريجي لتكنولوجيا المعلومات لأغراض أنشطة التدقيق القدرة على إحداث تغييرات كبيرة في عمليات التدقيق.

وتفوق مزايا دمج علم البيانات إلى حد بعيد المخاطر. لذلك يُنصح بشدّة بأن تبدأ الأجهزة العليا للرقابة المالية في إعادة تصور أنشطتها المتعلقة بالتدقيق والرصد بحيث تشمل هذه الممارسة.

وجرى تحديد سلسلة من المبادئ التوجيهية الاستراتيجية لضمان فهم أنَّه ينبغي عدم اعتبار دمج علم البيانات في عمليات التدقيق تدبيراً معزولاً، بل جزءاً من مجموعة من الخطوات نحو التصعيد التدريجي.

وجرى التركيز بشكل خاص على الفرصة الفريدة المتاحة للأجهزة العليا للرقابة المالية لتعزيز دورها والاستفادة من أنشطتها الشاملة لعدة قطاعات ومتعدِّدة التخصصات لقيادة التغيير الثقافي الذي يتطلبه التحول الرقمي. وهذا تحدٍ هائل، لكن التغلب عليه ليس فحسب ضرورياً ويجب أن يتم في الوقت المناسب، بل هو أيضاً قابل للتطبيق ومجدٍ. وبدلاً من اعتبار التكنولوجيا قيداً أو غايةً في حد ذاتها، من المهم فهم التأثير الإيجابي لعلوم البيانات، لتجنب “وضع العربة أمام الحصان“، أو التكنولوجيا قبل المعرفة.

ويجب مقاربة التحول الرقمي من خلال تدابير محددة وإرادة سياسية قوية لمكافحة الفساد. وتحقيقاً لهذه الغاية، ينبغي معالجة حوكمة البيانات على نطاق واسع وبفعالية.

وتضفي الرقابة الحكومية في الوقت المناسب والدقيقة والفعالة استناداً إلى علم البيانات قيمة إلى الإدارة، مما يؤدي إلى تحسين الإنفاق العام إلى أقصى حد ممكن. إلى ذلك، يمكن أن تساهم الاستفادة من إمكانات التكنولوجيا لتنفيذ علم البيانات في الحد من فجوات التنمية ووضع الأساس لنمو أكثر صلابة واستدامة في جميع أنحاء العالم.

Bibliography
Back To Top