عمليات التدقيق المالي كدعائم للمساءلة الديمقراطية: مسار مكتب تدقيق الدولة في مقدونيا الشمالية نحو الحوكمة الشفّافة
من إعداد: ماكسيم أسيفسكي، ماجستير، المدقق العام لمكتب تدقيق الدولة في جمهورية مقدونيا الشمالية
في أوقات الطلب المتزايد على المساءلة العامة والشفافيّة، تعمل الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة كحارس للحوكمة الرشيدة. وفي مكتب تدقيق الدولة في جمهورية مقدونيا الشمالية، نبقى ثابتين في مهمتنا لضمان الإشراف السليم على الموارد العامة من خلال عمليات التدقيق المالي والامتثال والأداء استناداً إلى المعايير الدولية والأولويات الوطنية.
ووفقاً للتقرير السنوي لعام 2024، وهو التقرير الأحدث، أجرى المكتب 88 عملية تدقيق، شملت البيانات المالية، والامتثال، والأداء، وتكنولوجيا المعلومات، مع توثيق النتائج في 132 تقرير تدقيق نهائي. وأسفرت عمليات التدقيق هذه عن 882 توصية تدقيق على أساس 1,240 نتيجة ومسألة. وفي حين تعكس هذه الأرقام كفاءتنا التشغيلية، فإنّها تؤكّد أيضاً على التزامنا بتحسين النظام في القطاع العام ككل.

عمليات التدقيق المالي الراسخة في الأهمية الاستراتيجية
يجري تنفيذ مهمة التدقيق من خلال خطة تدقيق استراتيجية واستراتيجية تنمية قويتين (2023-2027) تتماشيان مع مبادئ الإنتوساي والبرنامج الوطني لإصلاح إدارة المالية العامة المعروف بـ”المالية العامة الذكية”. ولا يكمن هدفنا في تقييم الانتظام المالي فحسب، بل أيضاً في دراسة القيمة في مقابل المال في الإنفاق العام ونتائج السياسات.
ويتمثل أحد المبادئ الأساسية لعملنا في مفهوم القيمة المضافة. وفي عام 2023، كشفت عمليات التدقيق التي أجريناها عن التزامات غير مدفوعة أو منقوصة الدفع للموازنة المركزية تتجاوز قيمتها 5 مليارات دينار، إلى جانب 3.6 مليار دينار أثرت في الموارد المالية للبلديات. علاوةً على ذلك، تجاوز الاستخدام غير القانوني للأموال مليار دينار، فيما تجاوزت المخالفات المحددة في المشتريات العامة 3.8 مليار دينار، نتيجة للخلاصات التي توصّلنا إليها. ولا تسلّط هذه الأرقام الضوء على أوجه القصور فحسب، بل تظهر أيضاً الإمكانات التحويلية التي تنطوي عليها تدخلات التدقيق عندما تُقابل بالاستجابة المؤسسية.

المساءلة من خلال التواصل ومشاركة أصحاب المصلحة
تشكّل الشفافيّة قيمة أساسية بالنسبة إلى مكتب تدقيق الدولة في مقدونيا الشمالية. وتعمل استراتيجيتا التواصلية المحدّثة (2024-2027) على تعزيز الحوار الاستباقي مع أصحاب المصلحة، بدءاً بالبرلمان والسلطة القضائية إلى المجتمع المدني ووسائل الإعلام. وحالياً، وصلنا إلى أكثر من 2,400 من أصحاب المصلحة من خلال الإحاطات والتقارير والمنصات الرقمية. وتوسَّع حضورنا على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مطّرد، حيث تجاوز عدد الزيارات إلى صفحتنا على موقع فيسبوك 2.5 مليار زيارة منذ إنشائها في نوفمبر / تشرين الثاني 2021، مع أكثر من 9,000 ألف متابع منتظم، وحركة على الموقع تجاوزت 220,000 زيارة في العام الماضي.


نحن ندعم بشكل فعّال الفهم العام لنتائج التدقيق من خلال الرسوم البيانية والملخّصات والبيانات الصحافية ومواد الفيديو، لضمان أن يكون المواطنون – وليس المؤسسات فحسب – مشاركين مطّلعين في منظومة التدقيق. ووفقاً لاستبيان الرضا الذي أجريناه، صنّف 93% من أصحاب المصلحة عملنا على أنّه محايد ومهني وشفّاف.
التعاون مع الجمعية الوطنية والمؤسسات القضائية
يبقى التعاون المؤسسي القوي حيويّاً. وفي عام 2024، عزّزنا مشاركتنا مع الجمعية الوطنية في جمهورية مقدونيا الشمالية من خلال تقديم التقارير الدورية والمشاركة في جلسات اللجان. ووسّعت لجنة المالية والموازنة نطاق استعراضها لتقارير التدقيق الفردية، وهي ممارسة باتت الآن مؤسسيّة من خلال مذكرة التعاون الخاصة بنا.
إلى ذلك، عملنا على تعزيز تعاوننا مع مكتب المدّعي العام. وفي عام 2024، نفّذنا مبادئ توجيهية مشتركة لإعداد التقارير عن نتائج التدقيق مع عناصر المسؤولية الجنائية، وأقمنا سلسلة من ورش العمل المشتركة مع المدّعين لتنسيق عمليات التدقيق والتحقيق. ونجحت هذه المبادرة في تحسين تدفق الاتصالات وتسريع الاستجابات القانونية للنتائج المهمة.
التعاون الدولي والتعلم المشترك
يشارك مكتب تدقيق الدولة بفعالية في مجتمعي الإنتوساي واليوروساي، وقد وقّع 43 مذكرة تعاون مع أجهزة عليا للرقابة المالية والمحاسبة وجهات من القطاعات الدولية والمهنية والتعليمية والحكومية، لتعزيز الشراكات وتشجيع تبادل المعرفة وأفضل الممارسات.

في عام 2024، أجرينا 10 عمليات تدقيق للأداء بالتعاون مع أجهزة عليا للرقابة المالية والمحاسبة ومنظمات دولية. وتناولت هذه المشاريع موضوعات استراتيجية مثل المساواة بين الجنسين، وتنفيذ أهداف التنمية المستدامة، والخدمات العامة الرقمية.
وسمحت قيادتنا في تنسيق التدقيق التعاوني بشأن الهدف 5 من أهداف التنمية المستدامة – المساواة بين الجنسين – بتقديم عرض رسمي في اللجنة خلال انعقاد الدورة 68 للجنة وضع المرأة في مقر الأمم المتحدة في نيويورك. ومن خلال هذه الجهود المشتركة، لا نرفع معاييرنا فحسب، بل نساهم أيضاً في تحقيق أهداف المساءلة الدولية المشتركة.
بناء القدرات وتعزيز النزاهة
لا يمكن لأي مؤسسة تدقيق أن تزدهر من دون الاستثمار في موظفيها. وتؤكد استراتيجية الموارد البشرية (2024-2027) على التعلم المستمر والنزاهة الأخلاقية والكفاءة الرقمية، وفقاً للخطة السنوية للتطوير المهني المستمر. وفي عام 2023، حصل 101 من موظفي مكتب تدقيق الدولة على شهادات وجرى اعتماد 17 منهم كمدربين في إدارة مخاطر الفساد – أكثر من أي مؤسسة أخرى في البلاد.
وفي تقييم نظام النزاهة الوطني لعام 2024 الذي أجرته منظمة الشفافيّة الدولية، صُنِّف مكتب تدقيق الدولة كأفضل مؤسسة بمجموع 87.6 نقطة، بما في ذلك 92 نقطة في فئة الحوكمة و87.5 نقطة في مجال مكافحة الفساد، وكذلك المستوى العالي من الشفافيّة والمساءلة والنزاهة.
وصُنِّف المكتب كأفضل مؤسسة في تقرير رصد تنفيذ نظام النزاهة لعام 2024 الذي نشرته لجنة الدولة لمنع الفساد. ومن بين 160 مؤسسة خضعت للتقييم من الحكومة المركزية والسلطة القضائية، حصد المكتب المركز الأول بمعدل تنفيذ بلغ 92.3% لنظام النزاهة.
بالإضافة إلى ما سبق، نحافظ على شهادة أيزو 9001 ونقوم باستعدادات ناشطة للحصول على شهادة أيزو 37001 (مكافحة الفساد) وأيزو / اللجنة الكهروتقنية الدولية 27001 (أمن المعلومات)، مما يعزِّز التزامنا بالجودة والأخلاقيات.
التطلع إلى المستقبل: الاستقلالية والإصلاح
تتضمن أولوياتنا لعام 2025 وما بعده تأمين الاستقلالية الدستورية والتشغيلية الكاملة لمكتب تدقيق الدولة. ويبقى اعتماد قانون جديد لتدقيق الدولة يتماشى مع معايير الاتحاد الأوروبي ومبادئ الإنتوساي أولوية تشريعية. وليست الاستقلالية المؤسسية مجرّد مثال قانوني، بل ضرورة عملية لتوفير الإشراف على التدقيق على نحو يتّسم بالصدقيّة ويخلو من العوائق.
ويفرض المشهد المتطوّر للمالية العامة تحديات وفرصاً على الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة في مختلف أنحاء العالم. ويتطلّب التحول الرقمي، والمساءلة البيئية، والتدقيق في الاستجابة للأزمات، منهجيات وكفاءات جديدة. ويتكيّف المكتب مع هذه الحقائق من خلال التعلم المستمر وإدخال الابتكارات في عمليات التدقيق.
وبينما نمضي قدماً، فإنّنا نؤكّد من جديد على إيماننا بأنَّ عمليات التدقيق المالي هي أكثر من مجرد تقييم للامتثال، فهي أدوات للمساءلة الديمقراطية، وتحسين عملية صنع السياسات، واستعادة الثقة العامة. ومن خلال معالجة نقاط الضعف، وتقديم المشورة بشأن الإصلاحات، وتعزيز التعلم المؤسسي، في إمكان الأجهزة، لا بل يتعيّن عليها، قيادة المسار نحو حوكمة أكثر شفافيّة وقدرة على التكيّف.
دعونا نستمر في التعاون والابتكار والقيادة بالقدوة، ونبقى ممتثلين للقيم التي توحِّد مجتمع الإنتوساي العالمي.