من إعداد: إيفونا زوبرزيكا-واسيل، كبيرة مدققين عامين في المكتب الأعلى للتدقيق في بولندا
المقدمة
أجرى المكتب الأعلى للتدقيق في جمهورية بولندا تدقيقاً لتنفيذ مشروع تجريبي استراتيجي هو مزارع كربون الغابات، للتحقّق من أدائه وما إذا كان تمَّ إنفاق الأموال بكفاءة أثناء تنفيذه من جانب المديرية العامة للغابات الحكومية. ونظر التدقيق أيضاً في ما إذا كان المشروع قد أتاح تحقيق أفضل النتائج، وما إذا كانت شعب الغابات تخطِّط وتنفِّذ أنشطتها المدرجة في المشروع على نحو سليم وموثوق.
ودقّق المكتب في أنشطة وزير المناخ والبيئة، والمديرية العامة للغابات الحكومية، و12 من أصل 25 شعبة غابات كانت تنفِّذ المشروع التجريبي، أي مزارع كربون الغابات (من أصل 429 شعبة في بولندا). وشمل التدقيق المرحلة الأولى من تنفيذ المشروع في الأعوام 2017-2023.
وتنصُّ الاستراتيجية الوطنية لتطوير السياسة البيئية لعام 2030 في مجال البيئة وإدارة المياه التي اعتُمِدَت في عام 2019، من ضمن أمور أخرى، على التّخفيف من تغير المناخ من خلال التخفيض الفعّال لتركيزات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، والحدّ من تركيز ثاني أكسيد الكربون وعزل الكربون عن طريق الغابات من خلال مواصلة تنفيذ مشروع مزارع كربون الغابات الذي بدأ في عام 2017.
وتعدُّ الحلول والتقنيات التي تهدف إلى امتصاص ثاني أكسيد الكربون واحدة من العديد من أنشطة التخفيف من تغير المناخ. وتؤدّي الغابات دوراً حاسماً في امتصاص ثاني أكسيد الكربون الطبيعي من الغلاف الجوي. وفي عام 2021، استوعبت الغابات في بولندا ما مجموعه 22,2 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، أي ما يمثِّل نحو 7٪ من إجمالي الانبعاثات الوطنية والقيمة المقابلة لمتوسِّط مؤشر الاتحاد الأوروبي في عام 2019.

كان من المفترض أن تساهم الأنشطة المنفّذة في مناطق الغابات المختارة البالغ عددها 23 في زيادة كمية ثاني أكسيد الكربون التي تستوعبها النظم البيئية للغابات.
أنشطة مشروع مزارع كربون الغابات والنتائج المتوقعة
كان من المفترض أن يبدأ تنفيذ المشروع في الأعوام 2017-2026، بما في ذلك الأنشطة الإضافية للإدارة المنتظمة للغابات. وتشمل هذه الأنشطة الإضافية زيادة مساحة المناطق المختارة للزراعة التحتيّة والطبقة التحتيّة، واستخدام شتول إضافية، وإعادة التحريج بواسطة البذور الطبيعية. وكانت الأنشطة الإضافية المتبقّية تهدف إلى الاستحواذ على كميات إضافية من الكربون العضوي في مناطق حرجية مختارة أو التخزين التدريجي للكربون المتراكم في الخشب الخام المخزّن في مزارع الأخشاب لأغراض الطاقة.
في البداية، كان الهدف من المشروع إنشاء شبكة من مزارع الأخشاب هذه في الغابات التي تديرها الدولة لتخزين كميات هائلة من الخشب الخام، والتي بقيت، على إثر ظواهر جوية متطرّفة، مثل الرياح أو الأعاصير، أكثر تواتراً بسبب تغير المناخ. غير أنَّ المكتب الأعلى للتدقيق في بولندا ذكر أنَّه لم يتم إنشاء أيّ من مزارع الأخشاب بعد الأعاصير، وأنَّه نتيجة للتغييرات المتعلّقة بأنظمة دوران الأخشاب، تمَّ التخلّي عن الفكرة.
كما افتُرِض أنَّ الإدخال التجريبي لنظام وطني لشهادات تداول الانبعاثات المحلية لثاني أكسيد الكربون في السوق نتيجة للأنشطة الإضافية في مجال الغابات، من شأنه أن يسمح للجهات المدرجة في نظام الاتحاد الأوروبي لتداول الانبعاثات بشراء وحدات من الانبعاثات المجمّعة في الأعوام 2017-2020، والتي يمكن أن تسمح لها بعد ذلك بالوفاء بأهداف خفض الانبعاثات الناجمة عن أنظمة المناخ في الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، لم تحظَ الفكرة بالاهتمام لا من صانعي السياسة في الاتحاد الأوروبي ولا من الجهات، وتمَّ إيقافها. كما أنّه لم يتمّ البتّة إنشاء أي أساس قانوني لهذا البديل لنظام الاتحاد الأوروبي لتداول الانبعاثات.
وجرى تعديل نظام الغابات الحكومية بشأن مزارع كربون الغابات وتعريفها بشكل مختلف على أنَّها “أنشطة إضافية”. ووُصِفَت هذه الأنشطة الإضافية بأنَّها أنشطة لإدارة الغابات تداخلت مع الإجراءات الموحّدة المعتمدة في المواقع المعيّنة، والظروف أو الأنشطة التي لم تشملها الخطَّة الملزمة لإدارة الغابات، ولكنّها هدفت إلى الحصول على كميات إضافية من ثاني أكسيد الكربون طوال مرحلة التنفيذ المتوقّعة.
إلى ذلك، جرى تعديل أغراض الأنشطة الإضافية لمشروع مزارع كربون الغابات بالحصول على كميات إضافية من الكتلة الحيوية يمكن حيازتها لبيعها وتوريدها في المستقبل. وكان الغرض تخزين كميات إضافيّة من الكربون والحدّ من انبعاثات غازات الدفيئة، بما في ذلك ثاني أكسيد الكربون.
تقييم ونتائج مشروع مزارع كربون الغابات للمكتب الأعلى للتدقيق في بولندا
وجد المكتب الأعلى للتدقيق في بولندا أنَّ غرضين من المشروع أعلاه كانا متناقضين. ويعني الافتراض بأنَّه كان من المقرر في وقت لاحق إزالة الكتلة الحيوية، بما في ذلك الأشجار المزروعة لامتصاص ثاني أكسيد الكربون، أنّه ينبغي توقُّع أن يؤدّي ذلك إلى تراجع امتصاص ثاني أكسيد الكربون، ممّا قد يعيد ضبط الأنشطة المنجزة لتخزين كميات إضافية من الكربون العضوي في هذه الكتلة الحيوية.
علاوةً على ذلك، ستكون قيمة المنفعة للأشجار المزروعة في هذا المشروع أقلّ من قيمة الأشجار المزروعة نتيجة للإدارة القياسيّة للغابات. ومن المفترض أنَّه لن يتم تخصيص الأخشاب لإنتاج الأثاث أو المنتجات الخشبية الأخرى، وإنّما ستُستخدم كوقود لأغراض حيوية. وهذا من شأنه أن يؤدّي بسرعة إلى زيادة كبيرة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المخزّنة في هذه الأشجار لسنوات عديدة.
ووفقاً لنتائج تدقيق المكتب الأعلى للتدقيق في بولندا، فإنَّ نتيجة مزارع كربون الغابات واستمراريتها، أي مشروع تطوير يُسمى غابات الكربون، لم يكن لها تأثير حقيقي على زيادة تخفيضات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وكان المتوسط الوطني السنوي لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون حوالي 325,6 مليون طن، في حين أنَّ النتيجة الأساسية للمشروع لم تكن سوى 1,006 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون. ووفقاً لإعادة تقييم التكهّن في وقت لاحق، انخفضت في أبريل / نيسان 2023 إلى 0,929 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون.
وكانت النتيجة المتوقّعة للمشروع المخطّط تنفيذه لمدة 30 عاماً (2017-2046) قيمة إضافية من ثاني أكسيد الكربون المجمّع. وقام معهد بحوث الغابات باحتساب القيمة باستخدام برمجيات متخصّصة (النموذج الكندي CBM-CFS3). ولإجراء الحسابات، لجأت الخدمات إلى قواعد بيانات شملت الأنواع، والعمر، ومساحة شعب الغابات، ونوع المعالجة ومجالها، ومنحنى المخزون المتنامي.
وأدّى تنفيذ نتائج البحث الحالية في الخوارزمية المحدّدة إلى نتيجة مشروع أصغر ممّا هو مخطّط. وما كان ليكون لكمية ثاني أكسيد الكربون الإضافية المجمّعة المحتسبة باستخدام الطريقة المذكورة أعلاه تأثير ملحوظ على الحدّ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على المستوى الوطني. وكان التعويض المفترض لثاني أكسيد الكربون لما يقارب 0,031 مليون طن سنوياً أدنى بألف مرة من انبعاثات محطة توليد كهرباء واحدة فقط هي محطة بيلشاتوف، (38 مليون طن) وأقل من 0,1 لكل ميل من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على المستوى الوطني في بولندا، والتي بلغت 331,6 مليون طن في عام 2021.
حصاد الأشجار يزداد في الغابات التي تديرها المديرية العامة للغابات الحكومية في بولندا

في الوقت نفسه، زادت الغابات الحكومية في كل سنة من تنفيذ المشروع من حصاد الأشجار. ووجد المكتب الأعلى للتدقيق أنَّ الغرض الحقيقي من المشروع هو حصراً تحسين صورة الغابات الحكومية عبر تمويه أعمال قطع الغابات. وكان الهدف الإيهام بأنَّ الشركة قد خفَّفت من أثر تغير المناخ، وصرف انتباه الرأي العام عن إزالة الغابات نهباً.
وذكر المكتب أنَّ من الأنشطة الأكثر كفاءة التي تهدف إلى الحدِّ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون زيادة مساحات الغابات والحدِّ من حصاد الأشجار، خصوصاً لأغراض الكتلة الحيوية، ممّا من شأنه أن يعزّز خفض الانبعاثات النهائية لثاني أكسيد الكربون.
تدقيق المكتب الأعلى للتدقيق في بولندا يحدّد أوجه قصور بسبب التخطيط والإشراف غير الموثوق بهما
بصرف النظر عن تمويه صورة الغابات الحكومية والجهات المعنية المشاركة في تمويل بعض أنشطة المشاريع، فإنّه لم يساهم إلا بشكل هامشي في الحلول الحقيقية الناجمة عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المفرطة في بولندا.
وكشف تدقيق المكتب أنّه في فترة 2017-2023، استُخدمت نفقات مشاريع بحوث مزارع كربون الغابات بمبلغ 65,5 مليون زلوتي بولندي (حوالي 15 مليون يورو) بشكل غير فعّال. وكان لنتائج الهدف الرئيسي لتنفيذ المشروع، وازدياد امتصاص الغابات لثاني أكسيد الكربون، تأثير ضئيل على ازدياد معدل خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
ورغم عدم كفاءة المشروع الأول، اتّخذ مدير الغابات الحكومية في عام 2022 قراراً باستمراره على شكل مشروع ثانٍ، هو مشروع غابات الكربون، مع تغطية النفقات المقرّرة بمبلغ 398,8 مليون زلوتي (حوالي 93 مليون يورو) من الأموال الخاصّة للغابات الحكومية.
وكان من المفترض أن تؤدّي الأنشطة المنفّذة من ناحية إلى تخزين كميات إضافية من الكربون العضوي في الغابات لامتصاص ثاني أكسيد الكربون. ومن ناحية أخرى، كان من المقرّر استخدام هذه الغابات المخزّنة للحصول على كتلة حيوية إضافية يمكن الحصول عليها وبيعها، والتي إذا استخدمت لأغراض الطاقة، ستؤدي إلى انبعاث ثاني أكسيد كربون سبق امتصاصه.
ولم يتم إعداد مشروع مزارع كربون الغابات بشكل صحيح حيث أنّه لم يتم تحديد النفقات المتوقّعة التي سيتمّ تكبّدها لتنفيذ المشروع. وفي عام 2023، في أثناء تدقيق المكتب الأعلى للتدقيق، قُدِّرَت النفقات بمبلغ 78.6 مليون زلوتي بولندي.
ولم تكن الخطّة المالية الناقصة للمشروع مواتية للاستخدام الفعّال للأموال. وواجه المشروع قيوداً في القدرة على التحكّم بفعاليّة في النفقات وتركيزها على تحقيق الهدف الرئيسي للمشروع، ألا وهو زيادة كمية ثاني أكسيد الكربون التي يمتصّها النظام البيئي للغابات.
ولم يمارس الوزير المسؤول عن البيئة إشرافاً موثوقاً على تخطيط مشروع مزارع كربون الغابات وتنفيذه. كما أنّه لم يكفل التأثير الكافي على إعداد المشروع وتنفيذه من جانب المدير العام للغابات الحكومية. ووفقاً لاستراتيجية التنمية المسؤولة في بولندا، تتولّى وزارة البيئة مسؤوليّة إعدادها وتنفيذها، وتقع على الوزير مسؤولية الإشراف على الغابات الحكومية وإدارة الغابات في الشعب التي يُنفّذ فيها المشروع.
ولم يقم الوزير بأي نشاط للحصول على ميزانية تقديرية موثوقة للمشروع من المدير العام للغابات الحكومية، مما حدَّ من قدرته على الإشراف على النفقات المخصّصة لتنفيذه.
وكان إشراف الوزير على الغابات الحكومية أثناء تنفيذ المشروع غير كافٍ واقتصر على قبول التقارير الدورية فقط. ولم تتضَّمن التقارير تحليلاً دقيقاً بما فيه الكفاية للبيانات التي تبيّن أنّها غير موثوقة وفق ما أثبته المكتب الأعلى للتدقيق.
وفي المساحة التي يغطّيها نحو ثلث شعب الغابات المدرجة في مشروع مزارع الكربون، نفّذ هذا الأخير أنشطة لم تساهم في تحقيق غرضه الرئيسي، ممّا زاد كميّة ثاني أكسيد الكربون الذي يمتصّه النظام البيئي للغابات. وكانت الكميّة الإضافية المتوقّعة لثاني أكسيد الكربون التي سيتمُّ امتصاصها على مدى 30 عاماً إمّا قيمة سلبية أو تساوي الصفر. وهذا يعني أنَّ تنفيذها في هذه الشعب قد أدّى إلى امتصاص أقل لثاني أكسيد الكربون مقارنةً بالأنشطة العادية من دون تنفيذ المشروع (عندما تكون التخفيضات أعلى)، أو أنّه لا يمكن أن ينتج أي تأثير إضافي إيجابي لامتصاص ثاني أكسيد الكربون.
ولم تكن المعلومات الواردة في التقارير المرحلية الدورية في فترة 2019-2023 التي قدَّمها المدير العام للغابات الحكومية إلى وزير المناخ والبيئة متّسقة مع الوضع الفعلي لمقدار التكاليف المتكّبدة، ودرجة تنفيذ كل نشاط على حدة، فضلاً عن النتائج المحقّقة. وقامت الغابات الحكومية برصد تقدُّم المشروع بطريقة غير موثوقة، ولم يتم إعداد بعض وثائق الإبلاغ إلا أثناء تدقيق المكتب الأعلى للتدقيق، بما في ذلك الأنظمة الداخلية للغابات الحكومية التي تحدِّد الافتراضات وقواعد التنفيذ.
وأدّت مناطق الغابات المشاركة في المشروع مهامها وفقاً للافتراضات المعتمدة، باستخدام الأموال المخصّصة بعناية. وبحلول نهاية عام 2022، قامت بأنشطة في حوالي 76٪ من المساحة التي يغطيها المشروع في فترة 2017-2024.
في البداية، لم تنفّذ شعب الغابات أنشطتها إلا على أساس ترتيبات مع المدير العام للغابات الحكومية، دون معلومات عن تأثيرها المتوقّع على البيئة، بما في ذلك مقدار امتصاص ثاني أكسيد الكربون، لأنَّ التطبيق الذي يتيح تطوير المهام فرادى في إطار المشروع لم يصبح متاحاً لمناطق الغابات إلّا في سبتمبر / أيلول 2018.
غير أنّه تبيّن في أكثر من نصف مناطق الغابات حالات تأخّر في تقديم التقارير المرحلية السنوية، فضلاً عن حالات إبلاغ غير موثوقة للبيانات، بما في ذلك التقليل من التكاليف المتكبّدة.
الخلاصات
مع الأخذ في الاعتبار المسؤولية العامة للإشراف على المشروع الذي كُلِّف وزير المناخ والبيئة بإعداده وتنفيذه، وكذلك المدير العام للغابات للحكومية بأدائه، أوصى المكتب الأعلى للتدقيق في بولندا بتعليق تنفيذ مشروع غابات الكربون، إلى حين الانتهاء من المشروع البحثي التجريبي، أي مزارع غابات الكربون، وتلخيص النتائج المحقّقة. كما أوصى وزير المناخ والبيئة بإجراء تحليل شامل لتبرير مشروع غابات الكربون، مع مراعاة النتائج الضعيفة المتوقّعة لمشروع مزارع غابات الكربون.
لمزيد من المعلومات، يُرجى زيارة الموقع الإلكتروني: https://www.nik.gov.pl/aktualnosci/lesne-gospodarstwa-weglowe.html