الحدّ من انبعاثات غازات الدفيئة في المجر في ضوء المتطلبات المتغيّرة ديناميكياً للاتحاد الأوروبي

محطة الطاقة في فيسونتا، المجر. المصدر: Adobe Stock Images, Imagenist

من إعداد: كورنيل جاكاب، مكتب تدقيق الدولة في المجر، 2024

المقدمة

تتطلَّب مكافحة تغير المناخ من المجر وضع مجموعة مشتركة من المستهدفات القائمة على المبادئ وتشغيل إطار متّسق للعمل والرصد وإبداء الملاحظات من أجل تحقيق المستهدفات الوطنية والدولية للحد من انبعاثات غازات الدفيئة. ويبرز ذلك من خلال التحليل الذي أنجزه مكتب تدقيق الدولة في المجر في عام 2024، والذي دقَّق في التدابير الرّامية إلى الحدِّ من انبعاثات غازات الدفيئة والإطار الاستراتيجي للمجر في ضوء المتطلبات المتغيّرة ديناميكياً للاتحاد الأوروبي.

ونتيجة انبعاثات غازات الدفيئة، يؤثِّر الاحترار العالمي في جميع جوانب الحياة تقريباً، والبيئة الطبيعية والتنوع البيولوجي، وقطاعات الاقتصاد كافّة، والموائل البشرية وتنمية المجتمع. وتزداد القيمة التقديرية للأضرار الاقتصادية المرتبطة بتغير المناخ، بما في ذلك التوقعات التي تتراوح بين تكاليف التعافي الناجمة عن الكوارث الطبيعية والعوائد الاقتصادية غير المحقَّقة.

ويكتسب العمل أهمية أساسيّة بالنسبة إلى أوروبا، إذ يرتفع متوسط درجة الحرارة في القارة بنحو ضعف المتوسط العالمي. ومن المحطّات البارزة في مكافحة تغير المناخ اتفاق باريس الذي اعتُمِد في عام 2015 وحدَّد مستهدف خفض متوسط ارتفاع درجات الحرارة. ويهدف قانون المناخ للاتحاد الأوروبي إلى ضمان تحقيق الحياد المناخي، أي التوازن بين انبعاثات غازات الدفيئة وعمليات الإزالة، بحلول عام 2050. ويحدِّد القانون المذكور أهدافاً متوسِّطة تتمُّ مراجعتها بانتظام للوصول إلى مستهدف عام 2050، رغم أنَّ التكيُّف مع المعايير المتغيّرة للاتحاد الأوروبي والوفاء بها يمثِّل تحدّياً لجميع الدول الأعضاء. ووضعت المجر، بصفتها دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، إطارها الاستراتيجي المقابل بما يتماشى مع معايير الاتحاد الأوروبي.

من شأن تنسيق الإطار الاستراتيجي والرصد المتَّسِق دعم المواءمة مع المتطلبات

في التحليل الذي يركِّز على اتجاهات الأعوام 1990-2023، خلص مكتب تدقيق الدولة في المجر إلى أنَّ الأهداف الاستراتيجية للمجر تتألَّف من مجموعة متنوِّعة من الاستراتيجيات والتدابير ذات الهياكل والمحتويات المختلفة، والتي جرى تحديث بعضها في نهاية النصف الأول من عام 2024. واستُخدِمَت أساليب قياس مختلفة لتنفيذ التدابير ودعم الاختبار الرجعي للنتائج، ولم يكن هناك نظام رصد متكامل. وخلال الفترة التي شملها التحليل، لم يكن لدى المجر أي نظام شامل لتقييم تنفيذ إجراءات السياسة المناخية ككل، ولا لقياس فعاليتها، في حين أنَّ نظام الرصد والتقييم والإبلاغ قيد التطوير حالياً.

كان من بين المحطات الرئيسية الهنغارية الأولى التي جرى تحديدها لتحقيق أهداف الاتحاد الأوروبي صياغة القانون الرابع والأربعين لعام 2020 بشأن حماية المناخ. وكانت وثائق الخطة الاستراتيجية التي دخلت حيّز التنفيذ في نهاية النصف الأول من عام 2024، والتي تؤثِّر في سياسة المناخ سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، معقَّدة للغاية ومتنوِّعة وتختلف في المضمون والوظيفة. وتتداخل وثائق الخطة الاستراتيجية المختلفة من حيث مستهدفاتها وأهدافها الخاصة بالأبعاد والعمل، ولكن في بعض الحالات، تمَّ إدراج أهداف فرعية أو تدابير مختلفة في إطار المستهدفات نفسها، ممّا شكَّل خطراً على الجدوى.

وكان النهج المتَّبع إزاء تغير المناخ في وثائق الخطة الاستراتيجية الهنغارية نهجاً ثنائي الاتجاه أساساً وكان هدفه خفض الانبعاثات أو التكيُّف مع تغير المناخ. وفي ما يتعلَّق بتنفيذ التدابير، ساعدت حوكمة السياسات مختلف أصحاب المصلحة القطاعيين من خلال دورها التنسيقي، ولكنَّ التحليل أظهر أن ثمَّة حاجة إلى تركيز كبير على تعزيز هذه الوظيفة في المستقبل. وبالمثل، فإنَّ تحسين رصد التنفيذ أمر أساسي لضمان أنَّ تقوم المعلومات القائمة على الملاحظات التي يجري إعدادها بتيسير اتّخاذ القرارات بشكل فعّال والتخطيط المتكرر، سواء لأغراض تصميم التدخلات وتنفيذها، أو لتحديد الاتجاهات الاستراتيجية في المستقبل.

وأشار تحليل الجهاز الأعلى للرقابة المالية والمحاسبة إلى أنَّ أداة دعم القرار في السياسة الهنغارية هي النظام الوطني للمعلومات الجغرافية للتكيُّف الذي يوفِّر بيانات الرصد والتنبؤات والمعلومات عن تأثيرات المناخ. ومع ذلك، لم يتم تحسين النظام بشكل كبير منذ عام 2020. ووضع تقرير المخزون الوطني الذي يتضمَّن أيضاً قيم انبعاثات غازات الدفيئة سابقاً الجهاز الوطني للأرصاد الجوية وتتولى وضعه حالياً شركة HungaroMet الهنغارية للأرصاد الجوية غير الربحية الخاصة المحدودة. ومع ذلك، يجعل التقرير من الصعب التمييز بين انبعاثات المجالات التي تغطِّيها الاستراتيجية وتحديد تأثير تدابير خطط العمل على التغيرات في الانبعاثات. ومن أجل تقييم قاعدة الأدلَّة اللازمة لتصميم برامج التنفيذ وتطبيقها، سيلزم وضع نظام للرصد يمكن تتبّعه من خلال المؤشرات وتحديثه باستمرار، ممّا يكفل رصد مستهدفات وأنشطة التخفيف والتكيُّف وتقييمها.

العلاقة بين النمو الاقتصادي وانبعاثات غازات الدفيئة

في البلدان المتقدِّمة، تتَّسم العلاقة بين انبعاثات غازات الدفيئة والنمو الاقتصادي باقتران الانخفاض أو الانكماش أو على الأكثر الزيادة الطفيفة في انبعاثات غازات الدفيئة أحياناً بزيادات كبيرة في إجمالي الناتج المحلي. كما حقَّقت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي نمواً اقتصادياً مع الحدِّ من انبعاثات غازات الدفيئة. وتظهر الاتجاهات في انبعاثات غازات الدفيئة في المجر انخفاضاً أعلى في مطلع تسعينيّات القرن العشرين. ولم يكن السبب الرئيسي خلال الفترة المرجعية المستخدمة لاحتساب مستهدفات الاتحاد الأوروبي التقدُّم التكنولوجي أو الابتكار أو مكاسب الكفاءة، وإنّما تفكيك الصناعات الثقيلة الاشتراكية الرئيسية السابقة بين عامي 1990 و1992. وقد رافق التقدم الاقتصادي منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عموماً تخفيضات في انبعاثات الملوثات، رغم تحديد مختلف العمليات المتعلِّقة بالركود للانخفاضات الرئيسية (راجع الشكل).

العلاقة بين انبعاثات غازات الدفيئة والنمو الاقتصادي في المجر

المصدر: التجميع الخاص للجهاز الأعلى للرقابة المالية والمحاسبة استناداً إلى بيانات صندوق النقد الدولي والأسواق

بحلول عام 2021، وبالمقارنة مع عام 1990 باعتباره السنة الأساس، انخفضت الانبعاثات من القطاع الصناعي إلى أدنى حد، بنسبة 37.2٪، في حين سجّل قطاع الطاقة انخفاضاً بنسبة 34.3٪، وشهد القطاع الزراعي انخفاضاً بنسبة 28.6٪. وسجّلت الانبعاثات المطلقة من إدارة النفايات انخفاضاً أكثر اعتدالاً بنسبة 9.1٪ خلال الفترة نفسها. ووفقاً لتقديرات عمليات الإزالة والانبعاثات الناجمة عن قطاع استخدام الأراضي وتغيير استخدام الأراضي والحراجة في المجر، كانت الانبعاثات صافية على مدى العقود الماضية وتمكَّنت من تعويض 12.7٪ من الانبعاثات المحلية في عام 2021. وكان المساهم الرئيسي في ذلك ازدياد أنواع الأشجار في مناطق الغابات. لذلك قد يرتبط الجهد المبذول للحدِّ من انبعاثات غازات الدفيئة أيضاً بالتقدُّم التكنولوجي المتَّصل بكفاءة الطاقة ومصادر الطاقة البديلة. بموازاة ذلك، لدى الاتحاد الأوروبي هدف استراتيجي يتمثَّل في زيادة الاستقلاليَّة في مجال الطاقة وتعزيز القدرة التنافسية في المدى الطويل من خلال تطوير التكنولوجيات النظيفة ونشرها. ويمكن أن يحفِّز الحدُّ من غازات الدفيئة الابتكار في العديد من الجوانب وأن ينشئ أيضاً صناعات جديدة تساهم في تحسين القدرة التنافسية والنمو الاقتصادي واستحداث فرص العمل.

وفي دورة ميزانية عام 2021-2027، خصّص الاتحاد الأوروبي مبالغ كبيرة للتطورات التكنولوجية التطلعيّة الرامية إلى خفض الانبعاثات. ويعني هذا أنَّه بحلول عام 2030، ثمّة إمكانات كبيرة للحصول على تمويل مباشر وغير مباشر من الاتحاد الأوروبي من خلال المناقصات المتعلِّقة بالعمل المناخي بآلاف الملايين من اليوروهات. وقد يكون للاستثمارات الناجمة أيضاً تأثير إيجابي على قدرة المجر التنافسية ونموها الاقتصادي في المدى الطويل.

الخلاصة

في المجر، خلال فترة تغيير النظام في تسعينيّات القرن العشرين، لم يكن التطور التكنولوجي أو مكاسب الكفاءة في تكنولوجيات التصنيع السبب الرئيسي في الحدِّ من انبعاثات غازات الدفيئة وإنّما تراجع الصناعة الثقيلة الاشتراكية. وفي الأعوام العشرين الماضية، لم تكن أيضاً فترات خفض الانبعاثات بشكل أكبر مدفوعة بالابتكار، ولكن نتيجة فترات الركود المختلفة. ويتطلَّب التنفيذ الفعّال للتدابير والتدخلات المقرَّرة لتحقيق الحياد المناخي تنسيق النظم المستهدفة للخطط الاستراتيجية، فضلاً عن وضع نظام رصد متكامل لدعم التنفيذ والاختبار الرجعي. 

ورغم أنَّ المجر ليست مصدراً كبيراً لانبعاثات غازات الدفيئة على الصعيد العالمي، يتعيّن عليها اعتبار دعم تلك الابتكارات مسألة إدارية مفاهيمية واستراتيجية من شأنها أن تساهم في تحقيق الأهداف المناخية. كما تكتسب أهميّة بما أنّه قد يكون للاستثمارات تأثير إيجابي على القدرة التنافسية والنمو الاقتصادي للبلاد.

Back To Top