من إعداد: نيكو غرانيتزر، وأندريا هاوبتلي، وإيمانويل سانغرا، مجموعة عمل الإنتوساي المعنية بتقييم السياسات والبرامج العامة
تتطلَّب التقييمات وإجراءات التدقيق في الأداء عمليّة اختيار قويّة لضمان النّجاح. ويسمح الفحص الشّامل والمنهجي لموضوعات التدقيق في الأداء المحتملة بتحديد تلك التي تنطوي على أعلى المخاطر وتوفّر أكبر إمكانات للتحسين توالياً. علاوةً على ذلك، فإنّه يسهِّل تحديد التوقيت الأمثل لإدراج النتائج في التطوير الإضافي للسياسات العامة ذات الصلة. بناءً عليه، من المرجّح أن يؤثّر الاختيار المتأنّي لموضوعات التقييم إيجاباً على السياسات العامة القائمة.
وباعتبارنا جهازاً أعلى للرقابة المالية والمحاسبة، فإنّنا نواجه العديد من التحديات: كيف يمكننا إنشاء هياكل وإجراءات مؤسّسية لتمكين تحديد أفكار التقييم ذات الصلة؟ وكيف يمكننا اختيار التقييمات والتوقيت الذي سيحقّق التأثير الأهمّ من هذه الأفكار؟
على هذا الأساس، اجتمعت مجموعة عمل الإنتوساي المعنية بتقييم السياسات والبرامج العامة في يونيو / حزيران 2024 في بوخارست في رومانيا. وقد استكشفنا كيف تعمل عمليات الاختيار التي تقوم بها الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة بشكل عام وكيف يمكن لهذه العمليات أن تنتج التقييم الأمثل وموضوعات تدقيق الأداء. وبالإضافة إلى ورش العمل والنقاشات، قدّم مسح شمل 22 جهازاً قبل الاجتماع مرئيّات قيّمة لعمليات تحديدها واختيارها. وترد أدناه الاستنتاجات الرئيسية.
الشكل 1: اختيار وتركيز موضوعات التقييم والتدقيق في الأداء في الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة، استناداً إلى سانغرا وكريميو، 2013 (1)

الزملاء وأصحاب المصلحة كمصادر رئيسية للأفكار للموضوعات
بشكل عام، أظهر الاجتماع أنَّ معظم الأجهزة الأعضاء تعمل بدرجة عالية من الاستقلاليّة في تحديد موضوعات التدقيق واختيارها. ويمكن لـ91٪ من الأجهزة التي شملها المسح اختيار غالبية موضوعاتها أو جميعها بشكل مستقل. وتقع مسؤولية توليد أفكار التدقيق على عاتق الأجهزة نفسها. لذلك فإنَّ أحد المتطلّبات الأساسية المهمّة لاختيار موضوعات الأداء المناسبة هو مجموعة جيّدة التجهيز من الأفكار. ويوضح الشّكل 1 بشكل تخطيطيّ العملية التي يتم من خلالها تحديد الموضوعات واختيارها وتركيزها.
وتؤدي الاقتراحات الداخليّة دوراً مهمّاً بشكل خاص، إذ أفاد 95% من الأجهزة أنّه بإمكان المدققين اقتراح الموضوعات، فيما اعتبر 68% منها أنَّ هذه الاقتراحات مفيدة بشكل متكرر أو منهجي، خصوصاً عندما يكون لديها سنوات خبرة متعدِّدة في مجالات معيّنة من السياسات. وتستكمل معظم الأجهزة هذه الاقتراحات بتقييم المخاطر، وتحديد تلك المنظّمة عبر جميع الجهات الخاضعة للتدقيق. فمثل هذه العمليات موجودة في 81٪ من الأجهزة، ويرى 64٪ منها أنَّ المرئيّات المكتسبة مفيدة لتحديد الموضوعات. وشدّد الاجتماع على أنَّ العديد من الأجهزة تستخدم بشكل متزايد تحليل البيانات لقياس المخاطر المحدّدة كميّاً. فعلى سبيل المثال، قدّم المكتب الأعلى للتدقيق في سلوفاكيا عرضاً واسعاً للسياسات مكّنه من تحديد قطاعات السياسة التي تعاني من القصور من خلال وضع مقارنات مرجعية دولية، مثل المؤشّرات المتعدّدة المتعلّقة بسياسات الرعاية الصحية.
الشكل 2: المصادر الأكثر فائدة لتحديد موضوعات التقييم، حسب ترتيب المشاركين في اجتماع مجموعة عمل الإنتوساي المعنية بتقييم السياسات والبرامج العامة لعام 2024

جرى تحديد المصدرين الخارجيين الأكثر صلة بالموضوعات الجديدة للتدقيق باعتبارهما أصحاب مصلحة مشاركين في السياسات العامة وخبراء في كل مجال من المجالات. وتستخدم الأجهزة أساليب مختلفة لجمع المعلومات من هذه المجموعات. على سبيل المثال، يعقد العديد منها اجتماعات غير رسمية منتظمة (مثل سويسرا)، بينما يجري في أجهزة أخرى إضفاء الطابع الرسمي على الاتصال بتلك المجموعات من خلال مجالس استشارية تضمُّ أعضاء من الروابط المهنيّة أو الأوساط الأكاديميّة (كما هو الحال في رومانيا والهند) أو من خلال المسوح المنتظمة (مثل سلوفاكيا). إلى ذلك، تسمح ما نسبته 64% من الأجهزة التي شملها المسح للمواطنين بتقديم اقتراحات موضوعات من خلال آليات كشف الفساد أو غيرها من آليات المراسلة عبر الإنترنت. وتُعتبر هذه الاقتراحات مفيدة في بعض الأحيان لتحديد الموضوع من جانب 77٪ من هذه الأجهزة. وبالمثل، فإنَّ اقتراحات الموضوعات من البرلمان أو الحكومة ممكنة في 86٪ من الأجهزة المجيبة، ولكنّها تعتبر مفيدة بنسبة 69٪ فقط.
ويتمثّل أحد العوامل الهامّة التي تمَّ ذكرها في ما يتعلّق بجميع المصادر في أهميّة إبداء الملاحظات لمقّدمي الأفكار (الزملاء والمواطنون وما إلى ذلك). وينبغي على الأجهزة أن تبلغها بمدى تنفيذ اقتراحاتها وأخذها في الاعتبار. وهذا يساعد على الحفاظ على دوافع المساهمين والتزامهم.
معايير الاختيار المحدَّدة بوضوح وعمليات التخطيط الاستراتيجي
استناداً إلى هذه الأفكار، يجري اختيار موضوعات التدقيق في الأداء وإعدادها لتحقيق أقصى فائدة من التدقيق. ويكمن الهدف في تحديد أهداف التدقيق، والتركيز المقابل، وفترة التنفيذ.
وبوجه عام، أوضحت المناقشة التي دارت في الاجتماع أنَّه من الأهميّة بمكان وضع معايير اختيار محدّدة بوضوح. نتيجةً لذلك، يتّبع 77% من الأجهزة المجيبة عمليّة تخطيط استراتيجي لاختيار الموضوع وفقاً لمتطلّبات المعيار 300 للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة، ويفرض 68% منها معايير جودة ثابتة لاختيار الموضوع. من جهة أخرى، يختلف تصميم عملية التّخطيط هذه والمعايير المستخدمة بشكل كبير. وتحدّد بعض الأجهزة، مثل تلك في إسبانيا والبرازيل والفلبين، أولويات موضوعات جديدة سنوياً، بينما تستند أجهزة أخرى إلى استراتيجية شاملة طويلة الأجل للأجهزة.
ويُنظر في جوانب مختلفة في المعايير، على غرار إمكان التغيير (مثل كينيا وبلغاريا)، أو التكاليف المتوقّعة للتقييم (مثل ليتوانيا)، أو الحساسيّة السياسيّة (مثل الفلبين)، أو القدرات والكفاءات المتاحة ضمن الأجهزة (مثل ديوان مراجعي حسابات الاتحاد الأوروبي). كما يختلف الهيكل التنظيمي بشكل كبير. ففي الأعوام الأخيرة، أنشأت العديد من الأجهزة وحدات استراتيجيّة مخصّصة تركّز بشكل خاص على إعداد موضوعات التدقيق، كما هو الحال في رومانيا وبولندا وديوان مراجعي حسابات الاتحاد الأوروبي.
ويكمن أحد التحدّيات الخاصّة في مجالات التدقيق التي نادراً ما تخضع للفحص أو لا يتم فحصها أبداً. ولمعالجة ذلك، يجري 64% من الأجهزة التي شملها المسح دراسات أولية لاكتساب فهم أعمق للتطورات والمخاطر الحاليّة المرتبطة بموضوع التقييم. ويساعد هذا النهج الفعّال في اتّخاذ قرارات مستنيرة بشأن تنفيذ التقييم وتوقيته.
اختيار الموضوع الأمثل من خلال التطوير المستمر
في الخلاصة، ورغم الاختلافات التنظيمية والنُهُج المتنوّعة، ثمّة قواسم مشتركة هامّة بين الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة على المستوى الاستراتيجي. فعملياً تتّبع الأجهزة كافّة عملية نظاميّة لتحديد موضوعات التقييم واختيارها. ويؤدّي إنشاء الشّبكات مع أصحاب المصلحة والمجتمع الأكاديمي إلى حد كبير دورا هامّاً، وقد نفّذت معظم الأجهزة عمليّة تخطيط استراتيجي. ومع ذلك، لا يزال المدققون أنفسهم يُعتبرون إلى حدٍّ كبير المصدر الأكثر أهميّة للموضوعات. وتشكِّل التطورات المستمرة، مثل دمج أساليب وأشكال جديدة لتحليل البيانات لإشراك الجهات الفاعلة الخارجية، عمليّة مستمرّة. ومن خلال القيام بذلك، تؤكِّد الأهميّة المتزايدة لهذه الاعتبارات وإنشاء إدارات متخصّصة داخل الأجهزة على الأهميّة المتزايدة لكيفيّة اختيار موضوعات التدقيق على النحو الأمثل.