من إعداد: أحمد أديب سوسيلو، ومحمد رافي بكري، ورتنا وولانداري
المقدمة
وفقاً لتقرير حالة المناخ في آسيا (2023)، ارتفع متوسِّط درجة الحرارة في البلدان الآسيوية في عام 2023 بمقدار 0.91 درجة مئوية مقارنةً بفترة 1991-2020. ويؤدّي هذا إلى ارتفاع في درجة حرارة سطح البحر، ممّا يزيد من حدَّة الأعاصير المدارية وهطول الأمطار الغزيرة التي تنجم عنها الفيضانات والانهيارات الأرضية. وواجهت إندونيسيا ما مجموعه 300 كارثة طبيعية، بما في ذلك 200 حالة من الفيضانات بين عامي 1990 و2021. وتسبَّبت هذه الأحداث في إلحاق الضَّرر بنحو 11 مليون نسمة. ويبيِّن الشّكل 1 أنَّ جميع الكوارث الطبيعية التي وقعت في إندونيسيا كانت ناجمة عن تغير المناخ.
الشكل 1. الكوارث المرتبطة بالمناخ

إذا سُمِح باستمرار هذه الحالة، فستؤدي إلى نتائج غير مواتية. وعلى الصعيد الوطني، يؤدّي تغير المناخ إلى انخفاض الإنتاجية الزراعية، وتالياً إلى تقويض الأمن الغذائي. وفي حالة انعدام الأمن الغذائي، ستحدث طفرة غير منضبطة في أسعار السِّلع الأساسية. وسيؤدّي ذلك إلى سلسلة من ردود الفعل التي تؤثر في كلٍّ من العرض والطلب الوطنيين، مما يخلِّف عدم استقرار اقتصادي (وزارة البيئة والغابات في إندونيسيا، 2023).
وللتخفيف من آثار تغير المناخ، يجب إشراك العديد من أصحاب المصلحة، بما في ذلك الجهاز الأعلى للرقابة المالية والمحاسبة. ولدى الجهاز القدرة على التدقيق في المبادرات الحكومية الرّامية إلى منع عواقب تغير المناخ أو تخفيفها. ويمكن إجراء عمليات تدقيق مالية وللأداء لدعم الحكومة في الحدِّ من تأثير تغير المناخ.
التزام مجلس التدقيق في إندونيسيا بمكافحة تغير المناخ
يلتزم الجهاز الأعلى للرقابة المالية والمحاسبة الإندونيسي بصفته عضواً نشطاً في الإنتوساي بدعم تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، وخصوصاً الهدف 13 المتعلِّق بمعالجة تغير المناخ. وفي إطار عملية توزيع أهداف التنمية المستدامة، يشير الجهاز إلى تنفيذ مبدأ الإنتوساي 12 الخاص بقيمة الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة ومنافعها، وهو أنَّ قيمة الأجهزة ومنافعها “تحدث فارقاً في حياة المواطنين”. ويعمل الجهاز على مواءمة استراتيجته الخاصّة بالتدقيق للإشراف على تنفيذ أهداف التنمية المستدامة التي جرى دمجها في خطة التنمية الوطنية المتوسِّطة الأجل في إندونيسيا لفترة 2020-2024. ومن المتوقَّع أن تعود عمليات التدقيق التي يقوم بها الجهاز بالفائدة على المجتمع المحلي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وقد أوجز الجهاز خطَّة واستراتيجية التدقيق في خطَّته الاستراتيجية لفترة 2020-2024.
واعتمد الجهاز استراتيجية تدقيق مخصَّصة مصمَّمة خصّيصاً لتقييم العمليات والنتائج المتعلِّقة بمقاصد أهداف التنمية المستدامة. وتستخدم هذه الاستراتيجية نموذج تدقيق أهداف التنمية المستدامة لمبادرة الإنتوساي للتنمية، والذي يمكِّن مجلس التدقيق الإندونيسي من إجراء عمليات تدقيق شاملة للسياسات والبرامج التي تساهم في تحقيق مقاصد أهداف التنمية المستدامة المتّفق عليها وطنياً. ومن خلال عمليات التدقيق هذه، يقيّم الجهاز التقدّم المحرز نحو تحقيق هذه المقاصد. ويبيِّن الشَّكل 2 كيف يلتزم الجهاز بالتدقيق في إدارة تغير المناخ.
الشكل 2. الخطَّة الاستراتيجية لمجلس التدقيق في إندونيسيا المتعلِّقة بتغير المناخ

التدقيق في الأداء: تعزيز جهود الحدِّ من مخاطر كوارث الظواهر الجوية المائية
يُعدُّ تقييم قابلية التعرض للكوارث في إندونيسيا إحدى مسؤوليات الوكالة الوطنية لتدابير مكافحة الكوارث. وتنشر الوكالة مؤشِّر مخاطر الكوارث الإندونيسي لتقييم التأثير المحتمل للكوارث في إندونيسيا. ويمكن أن يشكِّل التقييم المنتظم لمؤشِّر المخاطر هذا أداةً للرصد والتقييم للتنفيذ الناجح لاستراتيجيات إدارة الكوارث ضمن إطار زمني محدَّد.
ونفَّذت الوكالة العديد من المخطّطات لإنشاء نظام إنذار مبكر، وهو نظام مصمَّم لتنبيه الأشخاص إلى وقوع الكوارث الطبيعية أو غيرها من مؤشِّرات الأحداث الطبيعية. وينطوي إصدار إنذار مبكر للمجتمع بشأن كارثة على نشر المعلومات بطريقة يسهل على المجتمع فهمها. ولضمان الأداء الأمثل، يجب إدارة نظام الإنذار المبكر بشكل مناسب بصورة كليّة وشاملة، وإشراك المجتمع وأصحاب المصلحة المعنيين بفعاليّة.
وخلصت مراجعة وثيقة خطَّة الوكالة لفترة 2020-2024 إلى عدم تحقيق أهداف نظام الإنذار المبكر في عامي 2022 و2023، كما يظهر في الشَّكل 3 أدناه. ففي عام 2022، كان هدف الوكالة استحداث 6 نظم إنذار مبكر في مناطق عدّة في إندونيسيا. إلا أنَّها لم تتمكّن من تحقيق إلا ما نسبته 83.3٪، أو 5 خدمات فقط. علاوةً على ذلك، هدفت الوكالة إلى إنشاء نظام إنذار مبكر في 11 موقعاً في عام 2023، ولكنّها تمكّنت من بناء النظام في موقعين فقط.
الشكل 3. خطَّة نظام الإنذار المبكر وتحقيقه

لمعالجة هذه المسألة، ينصح مجلس التدقيق في إندونيسيا الوكالة الوطنية لتدابير مكافحة الكوارث بتقييم المخاطر الوطنية المرتبطة بالكوارث الطبيعية وتنسيق تقييمات المخاطر بفعاليّة في مناطق إندونيسيا كافّة. كما يطلب من الوكالة تعزيز ضوابطها المتعلِّقة بالتخطيط والميزانية لمنع أي أخطاء قد تعوق فعاليّته في التخفيف من الكوارث المتعلِّقة بالظواهر الجوية المائية.
التدقيق في الأداء: مبادرات التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيُّف معه في قطاع الغابات وغيره من استخدامات الأراضي
يُعدُّ قطاع الغابات وغيره من استخدامات الأراضي ثاني أكبر مساهم في انبعاثات غازات الدفيئة في إندونيسيا، بعد قطاع الطاقة. ووفقاً لتقرير التدقيق الصادر عن مجلس التدقيق في إندونيسيا (2024)، أنتج القطاع 249.71 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون أو 21.89٪ من إجمالي كميّته في عام 2022.
الشكل 4. انبعاثات غازات الدفيئة الوطنية 2000-2022

تُعتبر إدارة انبعاثات غازات الدفيئة أساسيّة للتّخفيف من آثار تغير المناخ. وأكَّدت إندونيسيا، تحت رعاية وزارة البيئة والغابات، جاهزيتها للتَّخفيف من آثار تغير المناخ والتكيُّف معه من خلال إدراج الأولوية الوطنية “بناء البيئة، وزيادة القدرة على مواجهة الكوارث، وتغير المناخ” في خطَّة التنمية الوطنية لفترة 2020-2024، بما يتماشى مع اتفاق باريس وأهداف التنمية المستدامة.
وأجرى الجهاز الإندونيسي تدقيقاً في الأداء لتقييم مبادرات الحكومة في مجال التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيُّف معه في قطاع الغابات وغيره من استخدامات الأراضي من السنة المالية 2021 حتى النصف الأول من عام 2023. وشملت عملية التدقيق برامج متعلِّقة بتخفيف آثار إزالة الغابات، وتأهيل الغابات والأراضي، وتمويل معالجة تغير المناخ.
وتشير نتائج التدقيق إلى أنَّ خفض معدلات إزالة الغابات لم يتواءم مع خططه، وأنَّ تأثيره على خفض الانبعاثات لا يزال غير محدَّد كميّاً. ولم تتمكَّن وزارة البيئة والغابات من التمييز بين الإزالة المتعَّمدة وغير المتعمَّدة للغابات. ويجري التدقيق في إزالة الغابات باستخدام تحليل صور الأقمار الاصطناعيّة للغطاء الأرضي، والذي لا يمكنه تأكيد أسباب التغيرات في الغطاء الأرضي. إلى ذلك، فشلت نتائج مبادرات تأهيل الغابات والأراضي في تحديد وقعها على التخفيف من آثار تغير المناخ. ولا تزال نتائج هذه المبادرات محدودة، إذ تتراوح بين 0.88% و20.55% لإعادة التحريج، بمتوسط يبلغ 8.64%. ويتضمّن الجدول 1 مقارنة شاملة.
الجدول 1: مقارنة المساحة المحقَّقة لتأهيل الغابات والأراضي بالغطاء الأرضي 2013-2017 (هكتار)
السنة | تحقيق تأهيل الغابات والأراضي | الغطاء الأرضي في مواقع تأهيل الغابات والأراضي | % | ||
النبات | المنغروف | المجموع | إعادة التحريج | ||
أ | ب | ج | د = ب+ج | هـ | و = هـ/د |
2013 | 22.015 | 22.015 | 3.145 | 14,29% | |
2014 | 5.415 | 5.415 | 399 | 7,37% | |
2015 | 18.132 | 481 | 186.613 | 164 | 0,88% |
2016 | 20.483 | 497 | 20.980 | 4.312 | 20,55% |
2017 | 35.357 | 1.175 | 36.532 | 932 | 2,55% |
101.402 | 2.153 | 103.555 | 8.952 | 8,64% |
بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ التمويل من مصادر الميزانية غير الحكومية، مثل أسواق الكربون والدفعات القائمة على النتائج، غير موثوق به. ولم يعد ممكناً الآن التنبّؤ بالتمويل من تجارة الكربون، نظراً إلى عدم تقييم الإمكانات الاقتصادية للاتِّجار بالكربون في قطاع الغابات، لأنَّ تنقيح اللائحة الحكومية 12/2014 لا يزال جاريا. إلى ذلك، لم يتم تحقيق الدفعات القائمة على النتائج أو استخدامها أو رصدها على نحو فعّال بسبب عدم تحقيق تخفيضات في انبعاثات غازات الدفيئة مقدارها 577,499,160 طناً من ثاني أكسيد الكربون.
ويوصي الجهاز الإندونيسي بأن تضع وزارة البيئة والغابات معايير لقياس جهود الحدِّ من إزالة الغابات وتقييمها، والتمييز بين إزالة الغابات المتعمَّدة وغير المتعمَّدة كاستراتيجيات للتخفيف من آثار تغير المناخ، ومواءمة أهداف إزالة الغابات ضمن صافي الانبعاثات لقطاع الغابات وغيره من استخدامات الأراضي على الصَّعيدين الوطني ودون الوطني.
بالإضافة إلى ذلك، ينصح مجلس التدقيق الإندونيسي الوزارة بإعداد معايير لتقييم فعاليّة أنشطة تأهيل الغابات والأراضي. كما يحثُّ وزارة الشؤون الداخلية في ما يتعلَّق بسلطة وحدات إدارة الغابات ومسؤوليتها على الحفاظ على نتائج أنشطة تأهيل الغابات والأراضي. ويشدِّد أخيراً على ضرورة التعاون مع جميع أصحاب المصلحة لتحديد وحشد مصادر التمويل من الميزانية الحكومية وغير الحكومية للمساهمة في برامج التخفيف من آثار تغير المناخ.
الخلاصة
تقضي مهمَّة مجلس التدقيق في إندونيسيا بتسهيل تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، والتي تشمل تغير المناخ. وفي إطار عملية توزيع أهداف التنمية المستدامة، يشير الجهاز إلى تنفيذ مبدأ الإنتوساي 12 الخاص بقيمة الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة ومنافعها، وهو أنَّ قيمة الأجهزة ومنافعها “تحدث فارقاً في حياة المواطنين”. ويلائم الجهاز استراتيجيته الخاصة بالتدقيق لرصد تنفيذ أهداف التنمية المستدامة المدرجة في خطَّة التنمية الوطنية المتوسطة الأجل لفترة 2020-2024.
وبرز الجهاز كبارقة أمل في مكافحة تغير المناخ، حيث قدّم توصيات دقيقة أشبه بمنارة توجِّه السُّفن عبر البحار العاصفة. وليست توصية الجهاز الثّاقبة والقابلة للتنفيذ مجرَّد خارطة طريق، بل هي قوة تحويلية، ترشد إلى العمل المناخي الفعّال في الوقت المناسب. ومن خلال المساهمات المتبصِّرة للجهاز، تستعد إندونيسيا للخوض في المياه المضّطربة من التحديات البيئية بوضوح وعزم جديدين.
في الختام، يتعيّن على مجلس التدقيق توسيع نطاق عمليات التدقيق في تغير المناخ وتعزيز قدراته لتوجيه برامج العمل المناخي في إندونيسيا بشكل فعّال. وسيضمن تعزيز هذه المجالات بقاء الجهاز قوّة حيويّة في دفع تقدُّم البلاد والتوصُّل إلى حلول مناخية مؤثِّرة.
عن الكتّاب:
أحمد أديب سوسيلو مستشار أول في مجال البيئة والتنمية المستدامة. وهو حاصل على درجة الماجستير في الحوسبة من جامعة مانشستر. ولديه عقود من الخبرة في عمليات تدقيق الجهاز الأعلى للرقابة المالية والمحاسبة في إندونيسيا على مستوى الحكومة المركزية والمناطق.
محمد رافي بكري هو خريج كليَّة البوليتكنيك المالية. وهو حالياً محلِّل بيانات ومالية في أمانة المستشار الأول للبيئة والتنمية المستدامة، حيث يتمثَّل دوره في مساعدة المستشار الأول في إجراء مزيد من الأبحاث بشأن القضايا البيئية وأهداف التنمية المستدامة وتطبيقها على التدقيق.
رتنا وولانداري تعمل حالياً كمدقّقة في مجلس التدقيق في إندونيسيا. وهي خريجة كليَّة البوليتكنيك المالية في برنامج دراسة المحاسبة، وقد تابعت تحصيل البكالوريوس في تعليم المحاسبة في جامعة تيربوكا. ونالت شهادة محاسب مهني من جامعة حسن الدين في عام 2023.